فصل: سورة عبس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (25):

{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)}
{فَأَخَذَهُ الله نَكَالَ الآخرة والأولى} النكال مصدر بمعنى التنكيل، والعامل فيه أخذه الله؛ لأنه بمعناه وقيل: العام محذوف، والآخرة هي: دار الآخرة، والأولى: الدنيا فالمعنى نكال الآخرة بالنار ونكال الأولى بالغرق. وقيل: الآخرة قوله: أنا ربكم الاعلى والأولى قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38] وقيل: بالعكس فالمعنى أخذه الله وعاقبه على كلمة الآخرة وكلمة الأولى.

.تفسير الآيات (27- 33):

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}
{أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء} هذا توقيف قصد به الاستدلال على البعث فإن الذي خلق السماء قادر على خلق الأجساد بعد فنائها {رَفَعَ سَمْكَهَا} السمك: غلظ السماء وهو الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها. ومعنى رفعه أنه جعله مسيرة خمسمائة عام، وقيل: السَّمْك السقف {فَسَوَّاهَا} أي أتقن خلقتها وقيل: جعلها مستوية ليس فيها مرتفع ولا منخفض {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أي جعله مظلماً يقال: غطش الليل إذا أظلم. وأغطشه الله {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أي أظهر ضوء الشمس في وقت الضحى، وأضاف الضحى والليل إلى السماء من حيث أنهما ظاهران منها وفيها {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} أي بسطها، واستدل بها من قال: إن الأرض بسيطة غير كروية وقد ذكرنا في [فصلت: 11] الجمع بين هذا وبين قوله: {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء} {أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا} نسب الماء والمرعى إلى الأرض، لأنهما يخرجان منها فإن قيل: لم قال أخرج بغير حرف العطف؟ فالجواب: أن هذه الجملة في موضع الحال وتفسير لما قبلها قاله الزمخشري {والجبال أَرْسَاهَا} أي أثبتها، ونصب الجبال بفعل مضمر يدل عليه الظاهر وكذلك الأرض {مَتَاعاً لَّكُمْ} تقديره: فعل ذلك كله تمتيعاً لكم منه {وَلأَنْعَامِكُمْ} لأن بني آدم والأنعام ينتفعون بما ذكر.

.تفسير الآية رقم (34):

{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)}
{الطآمة} هي القيامة وقيل: النفخة الثانية واشتقاقها من قولك: طمَّ الأمر إذا علا وغلب.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)}
{وَبُرِّزَتِ الجحيم لِمَن يرى} أي أُظهرت لكل من يرى، فهي لا تخفى على أحد.

.تفسير الآية رقم (40):

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)}
{مَقَامَ رَبِّهِ} ذكر في سورة [الرحمن: 46] {وَنَهَى النفس عَنِ الهوى} أي ردها عن شهواتها وأغراضها الفاسدة قال بعض الحكماء: إذا أردت الصواب فانظر هواك وخالفه. وقال سهل التستري لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين.

.تفسير الآيات (42- 46):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}
{أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ذكر في [الأعراف: 187] {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} أي من ذكر زمانها، فالمعنى: لست في شيء من ذكر ذلك قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة كثيراً فلما نزلت هذه الآية انتهى {إلى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} أي منتهى علمها لا يعلم متى تكون إلا هو وحده {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} أي: إنما بعثت لتنذر بها، وليس عليك الإخبار بوقتها، وخص الإنذار بمن يخشاها؛ لأنه هو الذي ينفعه الإنذار {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} أخبر أنهم إذا رأوا الساعة ظنوا أنهم لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور إلا عشية يوم أو ضحى يوم، وأضاف الضحى كذلك إلى العشية لما بينهما من الملابسة إذ هما في يوم واحد.

.سورة عبس:

.تفسير الآيات (1- 3):

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)}
{عَبَسَ وتولى} أي عبس في وجه الأعمى وأعرض عنه، وقال ابن عطية: في مخاطبته بلفظ الغائب مبالغة في العتب؛ لأن في ذلك بعض الإعراض، وقال الزمخشري: في الإخبار بالغيبة زيادة في الإنكار، وقال غيرهما، هو إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم وتنزيه له عن المخاطبة بالعتاب، وهذا أحسن {أَن جَآءَهُ الأعمى} في موضع مفعول من أجله، وهو منصوب بتولى أو عبس. وذكر ابن أم مكتوم بلفظ الأعمى ليدل أن عماه هو الذي أوجب احتقاره، وفي هذا دليل على أن ذكر هذه العاهات جائز إذا كان لمنفعة، أو يشهد صاحبها، ومنه قول المحدثين سليمان الأعمش، وعبد الرحمن الأعرج وغير ذلك {وَمَا يُدْرِيكَ} أيّ شيء يطلعك على حال هذا الأعمى {لَعَلَّهُ يزكى} أي يتطهر وينتفع في دينه بما يسمع منك.

.تفسير الآيات (5- 10):

{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
{أَمَّا مَنِ استغنى * فَأَنتَ لَهُ تصدى} أي تتعرّض للغني رجاء أن يسلم {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} أي لا حرج عليك أن لا يتزكى هذا الغني {وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسعى} إشارة إلى عبد الله بن أم مكتوم، ومعنى يسعى يسرع في مشيته من حرصه على طلب الخير {وَهُوَ يخشى} الله أو يخاف الكفار وإذايتهم له على اتباعك، وقيل: جاء وليس معه من يقوده، فكان يخشى أن يقع، وهذا ضعيف {فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} أي تشتغل عنه بغيره من قولك: لهيت عن الشيء إذا تركته، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأدّب بما أدبه الله في هذه السورة فلم يُعرض بعدها عن فقير ولا تعرّض لغني، وكذلك اتبعه فضلاء العلماء، فكان الفقراء في مجلس سفيان الثوري كالأمراء، وكان الأغنياء يتمنون أن يكونوا فقراء.

.تفسير الآيات (11- 16):

{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
{كَلاَّ} ردع عن معاودة ما وقع العتاب فيه {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} فيه وجهان، أحدهما: أن هذا الكلام المتقدّم تذكرة أو موعظة للنبي صلى الله عليه وسلم، والآخر أن القرآن تذكرة لجميع الناس، فلا ينبغي أن يُوثر فيه أحد على أحد، وهذا أرجح لأنه يناسبه: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ}، وما بعده، وأنّث الضمير في قوله: {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} على معنى القصة أو الموعظة أو السورة أو القراءة، وذكَّرها في قوله: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} على معنى الوعظ أو الذكرى والقرآن {فَي صُحُفٍ} صفة لتذكرة أي ثابتة في صحف، وهي الصحف المنسوخة من اللوح المحفوظ وقيل: هي مصاحف المسلمين {مَّرْفُوعَةٍ} إن كانت الصحف المصاحف فمعناه مرفوعة المقدار، وإن كان صحف الملائكة فمعناه كذلك، أو مرفوعة في السماء ومطهرة أي منزهة عن أيدي الشياطين {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} هي الملائكة، والسفرة جمع سافر وهو الكاتب؛ لأنهم يكتبون القرآن، وقيل: لأنهم سفراء بين الله وبين عبيده، وقيل: يعني القرَّاء من الناس. والأول أرجح. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» أي أنه يعمل مثل عملهم في كتابة القرآن وتلاوته، أو له من الأجر على القرآن مثل أجورهم.

.تفسير الآيات (17- 22):

{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)}
{قُتِلَ الإنسان} دعاء عليه على ما جرت به عادة العرب من الدعاء بهذا اللفظ، ومعناه تقبيح حاله، وأنه ممن يستحق أن يقال له ذلك، وقيل: معناه لعن، وهذا بعيد {مَآ أَكْفَرَهُ} تعجيب من شدّة كفره، مع أنه يجب عليه خلاف ذلك {مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ} توقيف وتقرير ثم أجاب عنه بقوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ} يعني المني، ومقصد الكلام تحقير الإنسان، معناه أنه يجب أن يعلم الرب الذي خلقه {فَقَدَّرَهُ} أي هيأه لما يصلح له ومنه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، وقيل: معناه جعله على مقدار معلوم في إعطائه وأجله ورزقه وغير ذلك {ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} نصب السبيل بفعل مضمر فسره يسره، وفي معناه ثلاثة أقوال: أحدها: يسر سبيل خروجه من بطن أمه، والآخر أنه سبيل الخير والشر لقوله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان: 3]، الثالث: سبيل النظر السديد المؤدي إلى الإيمان، والأول أرجح لعطفه على قوله: {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} وهو قول ابن عباس {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} أي جعله ذا قبر، يقال: قبرت الميت إذا دفنته، وأقبرته إذا أمرت أن يدفن {ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} أي بعثه من قبره، يقال: نشر الميت إذا قام، وأنشره الله والإشارة إذا شاء ليوم القيامة، أي الوقت الذي يقدر أن ينشره فيه.

.تفسير الآيات (23- 31):

{كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)}
{كَلاَّ} ردع للإنسان عما هو فيه {لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ} أي لم يقض الإنسان على تطاول عمره ما أمره الله، قال بعضهم: لا يقضي أحدا أبداً جميع ما افترض الله عليه إذ لابد للعبد من تفريط {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} أمر بالاعتبار في الطعام كيف خلقه الله بقدرته ويسره برحمته، فيجب على العبد طاعته وشكره ويقبح معصيته والكفر به، وقيل: فلينظر إلى طعامه إذا صار رجيعاً، فينظر حقارة الدنيا وخساسة نفسه، والأول أشهر وأظهر في معنى الآية، على أن القول الثاني صحيح وانظر كيف فسره بقوله: {أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً} وما بعده ليعدّد النعم ويظهر القدرة، وقرئ إنا صببنا الماء بفتح الهمزة على البدل من الطعام {ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض} يعني يخرج النبات منها {حَبّاً} يعني القمح والشعير وسائر الحبوب {وَقَضْباً} قيل: هي الفصفصة، وقيل: هي علف البهائم، واختار ابن عطية أنها البقول وشبهها مما يؤكل رطباً {غُلْباً} أي غليظة ناعمة {وَأَبّاً} الأبّ المرعى عند ابن عباس والجمهور، وقيل: التبن وقد توقف في تفسيره أبو بكر رضي الله عنهما.

.تفسير الآيات (33- 40):

{فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)}
{الصآخة} القيامة وهي مشتقة من قولك: صخ الأذن إذا أصمها بشدة صياحه، فكأنه إشارة إلى النفخة في الصور، أو إلى شدة الأمر حتى يصخ من يسمعه لصعوبته وقيل: هي من قولك: أصاخ للحديث إذا استمعه، والأول هو الموافق للاشتقاق {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} الآية ذكر فرار الإنسان من أحبابه، ورتبهم على ترتيبهم في الحنو والشفقة فبدأ بالأقل وختم بالأكثر، لأن الإنسان أشد شفقة على بنيه من كل من تقدم ذكره؛ وإنما يفر منهم لاشتغاله بنفسه؛ وقيل: إن فراره منهم لئلا يطالبوه بالتبعات والأول أرجح وأظهر، لقوله: {لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي هو مشغول بشأنه من الحساب والثواب والعقاب، حتى لا يسعه ذكر غيره، وانظر قول الأنبياء عليهم السلام، يومئذ: نفسي نفسي {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ} أي مضيئة من السرور، وهو من قولك: أسفر الصبح إذا أضاء {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي غبار، والقترة أيضاً الغبار. قال ابن عطية: الغبرة من العبوس والكرب، كما يقتر وجه المهموم والمريض، والقترة هي غبار الأرض، وقال الزمخشري: الغبرة: غبار يعلوها، والقترة سواد، فيعظم قبحها باجتماع الغبار والسواد.

.سورة التكوير:

.تفسير الآيات (1- 5):

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)}
{إِذَا الشمس كُوِّرَتْ} قال ابن عباس: ذهب ضوءها وأظلمت وقيل: رمي بها، وقيل: اضمحلت. وأصله من تكوير العمامة لأنها إذا لفت زال انبساطها وصغر جرمها {وَإِذَا النجوم انكدرت} أي تساقطت من مواضعها، وقيل: تغيرت، والأول أرجح لأنه موافق لقوله: {وَإِذَا النجوم انكدرت} وروي أن الشمس والنجوم تطرح في جهنم ليراها من عبدها، كما قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] {وَإِذَا الجبال سُيِّرَتْ} أي حملت وبعد ذلك تفتتت فتصير هباء ثم تتلاشى {وَإِذَا العشار عُطِّلَتْ} العشار جمع عَشْراء وهي الناقة الحامل التي مر لحملها عشرة أشهر، وهي أنفس ما عند العرب وأعزها فلا تعطل إلا من شدة الهول، وتعطيلها هو تركها سائبة أي ترك حبلها {وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} أي جمعت، وفي صفة حشرها ثلاثة أقوال: أحدها أنها تحشر أي تبعث يوم القيامة، ليقتص لبعضها من بعض ثم تكون تراباً. والآخر أنها تحشر بموتها دفعة واحدة عند هول القيامة قاله ابن عباس، وقال: إنها لا تبعث وأنه لا يحضر القيامة إلا الإنس والجن والثالث أنها تجمع في أول أهوال القيامة وتفر في الأرض فذلك حشرها.

.تفسير الآيات (6- 14):

{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)}
{وَإِذَا البحار سُجِّرَتْ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود بحراً واحداً، والآخر مُلئت نيراناً لتعذيب أهل النار، والثالث فرغت من مائها ويبست. وأصله من سَحْرتُ التنور إذا ملأتها، فالقول الأول والثاني أليق بالأصل. والأول والثالث موافق لقوله {فجرت} {وَإِذَا النفوس زُوِّجَتْ} فيه ثلاثة أقوال: أحدها أن التزويج بمعنى التنويع لأن الأزواج هي الأنواع، فالمعنى جعل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن، والثاني: زوجت نفوس المؤمنين بزوجاتهم من الحور العين، والثالث: زوجت الأرواح والأجساد أي ردت إليها عند البعث الأول هو الأرجح، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وابن عباس {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} الموؤدة هي البنت التي كان بعض العرب يدفنها حية من كراهته لها، ومن غيرته عليها فتسأل يوم القيامة بأي ذنب قتلت على وجه التوبيخ لقاتلها، وقرأ ابن عباس: {وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} بضم القاف وسكون اللام وضم التاء، واستدل ابن عباس بهذه الآية على أن اولاد المشركين في الجنة لأن الله ينتصر لهم ممن ظلمهم {وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ} هي صحف الأعمال تنشر ليقرأ كل أحد كتابه، وقيل: هي الصحف التي تتطاير بالأيمان والشمائل بالجزاء {وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ} الكشط هو التقشير كما يكشط جلدة الشاة حي تسلخ، وكشط السماء هو طيها كطي السجل قاله ابن عطية، وقيل: معناه كشفت وهذا أليق بالكشط {وَإِذَا الجحيم سُعِّرَتْ} أي أوقدت وأحميت. {وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ} أي قربت {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ} هذا جواب إذا المكررة في المواضع قبل هذا، ومعناه علمت كل نفس ما أحضرت من عمل، فلفظ النفس مفرد يراد بكه الجنس والعموم وقال ابن عطية: إنما أفدرها ليبين حقارتها وذلتها، وقال الزمخشري: هذا من عكس كلامهم الذي يقصد به الإفراط فيما يعكس عنه {رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ} [الحجر: 2] ومعناه التكثير، وكذلك هنا معناه أعم الجموع {مَّآ أَحْضَرَتْ} عبارة عن الحسنات والسيئات.